أثار تقسيم الناقد الدكتور صلاح فضل أنواع الكتابة الشعرية إلى شعر يكتبه السنّة ونثر يكتبه الشيعة حفيظة أدباء ونقاد سعوديين، إذ تحوّل هذا الرأي الذي صرّح به «فضل» في أحد حواراته إلى رأي مستفز للعديد من كتاب القصيدة ونقادها، إذ رأى «فضل» أنّ قصيدة النثر يكتبها الشيعة، فيما قصيدة التفعيلة والعمودي يكتبها السنّة، وأنّ كتّاب قصيدة النثر استغنوا عن الجمهور ولم يعد الشاعر منهم يبحث إلاّ عن نفسه. وعدّ هؤلاء الأدباء والنقاد رأي «فضل» استهانة بالقارئ العربي، ونوعاً من الغرور المعرفي والتباهي الذي لا يزال يعيشه نقاد ومفكرو السبعينات والثمانينات. فيما رأى آخرون أن هذا التقسيم خيالي، وأنه لا علاقة بين هذه التقسيمات والفن الذي يصعد لمكانة أعلى من التقسيمات الطائفية!
ورأى الناقد والأكاديمي صالح بن سالم أن بعض الحوارات والآراء تعمل من أجل النشر وليس التحليل والتعمق في الطرح، ولعلّ تشبيه صلاح فضل للصراع بين قصيدة النثر والتفعيلة والعمودي بعلاقة السنة بالشيعة من تلك الحوارات. فإذا كان فضل يرى وجوب عدم الخلاف في الأجناس الأدبية وتقبلها كلها في مجال أحادي فربما يحيل هذا إلى أحادية في الطرح، فالصراع الأدبي والفلسفي أفضل الإمكانات للتطوير والتغيير والنقاش، وفي حالات الخلاف ظهرت لنا أبرز النظريات على مر التاريخ البشري، ولهذا فإن الاختلاف حول الأجناسية يعتبر من صميم تغيير الفن وإبداعه.
وأضاف أنّ رأي فضل في انعزالية شاعر قصيدة النثر وعلاقته بواقعه ليس على إطلاقه، فالشاعر فاعل بكلمته وحضوره الثقافي والفكري، وربما نحيل هنا إلى منشأ الوجود في اللغة / الشعر بحسب هايدجر، وشعراؤنا العرب لهم مشاركات فاعلة في واقعهم الفكري والأدبي.
فيما رأى الشاعر محمد التركي أنّ من يتأمل المشهد بشكل جيّد سيجد أن الشعر بعيد جدا عن هذا التقسيم الخيالي، لأنّ الحالة الفنية تصعد لمكانة أعلى من التقسيمات الطائفية أو العرقية ولم نشهد أبدا انحيازا من الشعراء لجنس أدبي على حساب آخر رغبة في تحقيق هوية ما أو انتماء لفئة.
وأكد أنّ بحث الشاعر عن نفسه يعدّ وظيفة دائمة لا غنى عنها، ولا يلغي ذلك التطلع إلى متلقٍ ماثل أو منتظر، دونه لا يستطيع أن يبرر الشاعر نفسه.
وأشار الشاعر والمترجم شريف بقنة إلى أنّ صلاح فضل يعيدنا إلى عقودٍ قديمة، إلى الستينات والسبعينات العربية (إلى قبل ما يزيد على قرن في حالة القصيدة الفرنسية والغربية) عندما بدأت الاتهامات والعداء والتحريم لقصيدة النثر، فهو يعيد ذات الأسطوانة المشروخة بذات الاتهامات لقصيدة النثر، ربما لم يعرف ناقدنا أن تلك الحرب بعد أن استنفدت كل مخزونها من الذخائر انتهت بقبول هذه القصيدة والاعتراف بها وأصبحت ولا تزال قصيدة النثر الاختيار الأول لأفضل المواهب الوافدة إلى حقل الشعر وصار المرء يقع على دوريات أدبية وملاحق ثقافية عربية وغربية لا تنشر سوى قصائد نثرية.
ويضيف «بقنة» أنّ قصيدة النثر جاءت كحالة تطورية للقصيدة العمودية وابنتها الشرعية قصيدة التفعيلة، وهي لا تلغي ولا تتعدى ولا تقلل ولا تزايد على من كتب بالقافية أو التزم البحور وغاية التحرر من الوزن والقافية كانت ولا تزال لإحكام اللغة وللسدادة في انتقاء الكلمات والدقة في تأدية المعنى، لذا أرى تشبيه السيد صلاح محض تشبيه ساذج متأثر بحمى الصراعات السياسية.
وعن رأي «فضل» في استغناء شاعر النثر عن الجمهور وانغماسه في ذاته أشار «بقنة» إلى أنّه لا يعتقد ذلك، لأنّ لسيادة الرواية في البلاد العربية وكذلك على النطاق العالمي دوراً مهماً، فصوت الرواية جماهيرياً أعلى من أي صوت آخر الآن، إضافة إلى ذلك أن تسيد قصيدة النثر للمشهد الشعري جعل منها قصيدة شبه نخبوية لجمهور محدد.
الشاعر والناقد الدكتور عبدالله السفياني اعترف أنّ لديه حالة تحسس لكثير مما يذيعه ويكتبه نقاد ومفكرو السبعينات والثمانينات فقد كونوا لأنفسهم هالة كبيرة وأحاطوا أنفسهم بوهج إعلامي أجاز لهم أن يكتبوا ويتفوهوا بأحكام ورؤى دون أدنى تحقيق، وبحكم هذه الهالة تتلقى أحاديثهم ورؤاهم الأوساط الصحفية والشبابية بوثوقية عالية وهو أمر يدعو للأسف حقا، ويدعو الباحثين الجادين إلى إعادة مراجعة كثير مما دوّنه هؤلاء لاكتشاف مواضع الخلل والزلل الذي أغضت عنه العيون ومر مرور الكرام!.
وأكد السفياني أنّ حديث فضل كان منحازا للقصيدة الإيقاعية التفعيلة والعمودية وهو قول له وجه من النظر، خصوصا في مسألة أن بعض الشعراء الشباب رموا وراء ظهورهم ذائقة الجمهور بالمطلق واقتنعوا بنظرتهم الخاصة في التجديد والتحديث، وهذه بلا شك مسألة شائكة لأن الانصياع للجمهور وطلباته وذائقته بالمطلق خطأ آخر ويحتاج المبدع إلى رؤية واعية للتعامل مع هذه الفكرة بحذر تام، والموضوع برمته بحاجة إلى كتابة مطولة في ذلك.
فيما تساءل الناقد والشاعر محمد الحرز عن كيف يمكن الوثوق برأي ناقد ساهم في تكريس سلطة النص الشعري الموزون على ما عداه، من أشكال أخرى، من خلال مشاركته في تحكيم مسابقة أمير الشعراء؟ وأضاف أنه لا يعترض على المسابقة نفسها لو أتيحت الفرصة لجميع الأشكال للمنافسة والظهور، لكن للأسف هو أن يساهم ناقد مثل صلاح فضل وهو من هو في إسهاماته في النظرية النقدية شرحا وتدريسا وترجمة، فإن ذلك من باب المفارقات الكبرى في فضاء النقد والثقافة لأنّ الرواد الأوائل من النقاد التنويريين لم يتخذوا هذه المواقف الحدية من الأشكال الشعرية الأخرى المتخلصة من الوزن والقافية، كـ«طه حسين» الذي كان رده حازما على عزيز أباظة حين اعترض على هذا النوع من الكتابة الشعرية، فقد اعتبر أن حرية الشعور هي الأساس في اختيار ما يلائمها من الشكل الشعري الذي ترتاح إليه، حتى إن جاء ذلك خارج سياق الوزن والقافية.
وأكد أنّ الناقد صلاح فضل لا يدرك بوعيه النقدي أن مسألة تشبيه من يكتبون قصيدة النثر بالشيعة ومن يكتبون القصيدة الموزونة بالسنة هي دلالة عميقة على تغلل رمزية العقل الطائفي على النظر إلى الممارسة الأدبية ككل، في حين ينبغي أن يكون الأدب هو الأكثر حصانة من غيره للإنسان في طريق التعبير عن حريته، والتمسك بالجمهور أو الموسيقى باعتبارها الشعرية العربية التي لا تمس باب التذرع بما ليس فيه، الشعرية العربية مرجعها الوحيد اللسان العربي.
ورأى الناقد والأكاديمي صالح بن سالم أن بعض الحوارات والآراء تعمل من أجل النشر وليس التحليل والتعمق في الطرح، ولعلّ تشبيه صلاح فضل للصراع بين قصيدة النثر والتفعيلة والعمودي بعلاقة السنة بالشيعة من تلك الحوارات. فإذا كان فضل يرى وجوب عدم الخلاف في الأجناس الأدبية وتقبلها كلها في مجال أحادي فربما يحيل هذا إلى أحادية في الطرح، فالصراع الأدبي والفلسفي أفضل الإمكانات للتطوير والتغيير والنقاش، وفي حالات الخلاف ظهرت لنا أبرز النظريات على مر التاريخ البشري، ولهذا فإن الاختلاف حول الأجناسية يعتبر من صميم تغيير الفن وإبداعه.
وأضاف أنّ رأي فضل في انعزالية شاعر قصيدة النثر وعلاقته بواقعه ليس على إطلاقه، فالشاعر فاعل بكلمته وحضوره الثقافي والفكري، وربما نحيل هنا إلى منشأ الوجود في اللغة / الشعر بحسب هايدجر، وشعراؤنا العرب لهم مشاركات فاعلة في واقعهم الفكري والأدبي.
فيما رأى الشاعر محمد التركي أنّ من يتأمل المشهد بشكل جيّد سيجد أن الشعر بعيد جدا عن هذا التقسيم الخيالي، لأنّ الحالة الفنية تصعد لمكانة أعلى من التقسيمات الطائفية أو العرقية ولم نشهد أبدا انحيازا من الشعراء لجنس أدبي على حساب آخر رغبة في تحقيق هوية ما أو انتماء لفئة.
وأكد أنّ بحث الشاعر عن نفسه يعدّ وظيفة دائمة لا غنى عنها، ولا يلغي ذلك التطلع إلى متلقٍ ماثل أو منتظر، دونه لا يستطيع أن يبرر الشاعر نفسه.
وأشار الشاعر والمترجم شريف بقنة إلى أنّ صلاح فضل يعيدنا إلى عقودٍ قديمة، إلى الستينات والسبعينات العربية (إلى قبل ما يزيد على قرن في حالة القصيدة الفرنسية والغربية) عندما بدأت الاتهامات والعداء والتحريم لقصيدة النثر، فهو يعيد ذات الأسطوانة المشروخة بذات الاتهامات لقصيدة النثر، ربما لم يعرف ناقدنا أن تلك الحرب بعد أن استنفدت كل مخزونها من الذخائر انتهت بقبول هذه القصيدة والاعتراف بها وأصبحت ولا تزال قصيدة النثر الاختيار الأول لأفضل المواهب الوافدة إلى حقل الشعر وصار المرء يقع على دوريات أدبية وملاحق ثقافية عربية وغربية لا تنشر سوى قصائد نثرية.
ويضيف «بقنة» أنّ قصيدة النثر جاءت كحالة تطورية للقصيدة العمودية وابنتها الشرعية قصيدة التفعيلة، وهي لا تلغي ولا تتعدى ولا تقلل ولا تزايد على من كتب بالقافية أو التزم البحور وغاية التحرر من الوزن والقافية كانت ولا تزال لإحكام اللغة وللسدادة في انتقاء الكلمات والدقة في تأدية المعنى، لذا أرى تشبيه السيد صلاح محض تشبيه ساذج متأثر بحمى الصراعات السياسية.
وعن رأي «فضل» في استغناء شاعر النثر عن الجمهور وانغماسه في ذاته أشار «بقنة» إلى أنّه لا يعتقد ذلك، لأنّ لسيادة الرواية في البلاد العربية وكذلك على النطاق العالمي دوراً مهماً، فصوت الرواية جماهيرياً أعلى من أي صوت آخر الآن، إضافة إلى ذلك أن تسيد قصيدة النثر للمشهد الشعري جعل منها قصيدة شبه نخبوية لجمهور محدد.
الشاعر والناقد الدكتور عبدالله السفياني اعترف أنّ لديه حالة تحسس لكثير مما يذيعه ويكتبه نقاد ومفكرو السبعينات والثمانينات فقد كونوا لأنفسهم هالة كبيرة وأحاطوا أنفسهم بوهج إعلامي أجاز لهم أن يكتبوا ويتفوهوا بأحكام ورؤى دون أدنى تحقيق، وبحكم هذه الهالة تتلقى أحاديثهم ورؤاهم الأوساط الصحفية والشبابية بوثوقية عالية وهو أمر يدعو للأسف حقا، ويدعو الباحثين الجادين إلى إعادة مراجعة كثير مما دوّنه هؤلاء لاكتشاف مواضع الخلل والزلل الذي أغضت عنه العيون ومر مرور الكرام!.
وأكد السفياني أنّ حديث فضل كان منحازا للقصيدة الإيقاعية التفعيلة والعمودية وهو قول له وجه من النظر، خصوصا في مسألة أن بعض الشعراء الشباب رموا وراء ظهورهم ذائقة الجمهور بالمطلق واقتنعوا بنظرتهم الخاصة في التجديد والتحديث، وهذه بلا شك مسألة شائكة لأن الانصياع للجمهور وطلباته وذائقته بالمطلق خطأ آخر ويحتاج المبدع إلى رؤية واعية للتعامل مع هذه الفكرة بحذر تام، والموضوع برمته بحاجة إلى كتابة مطولة في ذلك.
فيما تساءل الناقد والشاعر محمد الحرز عن كيف يمكن الوثوق برأي ناقد ساهم في تكريس سلطة النص الشعري الموزون على ما عداه، من أشكال أخرى، من خلال مشاركته في تحكيم مسابقة أمير الشعراء؟ وأضاف أنه لا يعترض على المسابقة نفسها لو أتيحت الفرصة لجميع الأشكال للمنافسة والظهور، لكن للأسف هو أن يساهم ناقد مثل صلاح فضل وهو من هو في إسهاماته في النظرية النقدية شرحا وتدريسا وترجمة، فإن ذلك من باب المفارقات الكبرى في فضاء النقد والثقافة لأنّ الرواد الأوائل من النقاد التنويريين لم يتخذوا هذه المواقف الحدية من الأشكال الشعرية الأخرى المتخلصة من الوزن والقافية، كـ«طه حسين» الذي كان رده حازما على عزيز أباظة حين اعترض على هذا النوع من الكتابة الشعرية، فقد اعتبر أن حرية الشعور هي الأساس في اختيار ما يلائمها من الشكل الشعري الذي ترتاح إليه، حتى إن جاء ذلك خارج سياق الوزن والقافية.
وأكد أنّ الناقد صلاح فضل لا يدرك بوعيه النقدي أن مسألة تشبيه من يكتبون قصيدة النثر بالشيعة ومن يكتبون القصيدة الموزونة بالسنة هي دلالة عميقة على تغلل رمزية العقل الطائفي على النظر إلى الممارسة الأدبية ككل، في حين ينبغي أن يكون الأدب هو الأكثر حصانة من غيره للإنسان في طريق التعبير عن حريته، والتمسك بالجمهور أو الموسيقى باعتبارها الشعرية العربية التي لا تمس باب التذرع بما ليس فيه، الشعرية العربية مرجعها الوحيد اللسان العربي.
فضل لـ«عكاظ»: أعني ما أقول
أكّد الدكتور صلاح فضل لـ«عكاظ»، أنه كان يعني ما يقول، فالشعراء تشرذموا، وأصبح كتّاب قصيدة النثر هم الشيعة وكتاب التفعيلة والعمودي هم السُنة، وبين الفريقين صراعات كبيرة مع أنّ الأشكال الأدبية تملك حق التعاصر والخلق والإبداع، أما الكتاب الشباب فقد تصوروا أنهم لكي يكونوا حداثيين فإنّ الواجب عليهم (كما يعتقدون) أن يقتلوا الجرس الموسيقي وينفروا من الكلمات ذات الإيقاعات الجميلة التي تحدث التواصل الجمالي مع المستمع، متناسين أو متجاهلين أنّ الذائقة الشعرية العربية تعتمد على الموسيقى بالأساس، لذا أصبح من يكتب القصيدة العمودية والتفعيلة لا يعنيه من يكتب القصيدة الحرة وهذا شبيه بما يحدث اليوم بين السنة والشيعة، إذ لا يوجد تقارب بينهما ولا التقاء حول نقاط الاتفاق، مع أنّ هناك إمكانية للتوافق كما كان هناك توافق من قبل دون اصطفاف وتأليب وتصفية وإلغاء!